الاجتماع بعد صلاة التراويح أو عند منتصف الليل، على مائدة طعام في بيت أو مجلس أو خيمة أو عند البحر، تلك هي إحدى الطقوس الرمضانية التي اعتاد سكان بلدان الخليج العربي على إحيائها، وتسمى بـ”الغبقة”.
التمسك بالأصول والعادات والتقاليد سمة الخليجيين، والغبقة إحدى هذه العادات، ويعود أصلها إلى بداية القرن الماضي، لكن بلدان الخليج العربي تزداد التصاقاً بالعادات والموروثات كلما تقادم الزمن، خاصة أن تلك المناسبة ترتبط بشهر رمضان المبارك، الذي يحرص الخليجيون على أداء مناسكه، بالإضافة إلى التقاليد والطقوس الشعبية التي توارثوها من آبائهم وأجدادهم.
ويتفق الخليجيون على أن الغاية من “الغبقة” أسمى من الاجتماع على تناول الطعام، بل تذهب إلى معان إنسانية سامية يحث عليها الدين الإسلامي، هي التراحم والتوادد والتكاتف ونشر السلام والتعارف وزيادة الألفة، وغيرها الكثير من المبادئ والقيم التي تبني الإنسان والمجتمع البناء القويم.
ففي السابق، وبحسب ما وثقته بلدان الخليج في بحوث حول العادات المتوارثة، كانت الغبقات تقام في الحي الواحد، يجتمع خلالها أهالي الحي في بيت أحدهم أو خيمته، فيأكل الرجال وبعدهم النساء، ويتبادل الرجال الحديث، ويستمعون لمواعظ رجال الدين وكبار القوم من المسنين والوجهاء، وتزيد تلك الموائد من الألفة والمحبة والسلام، كما يتعارف الناس فيما بينهم.
الغبقات مع مرور الزمن وما شهدته دول الخليج من نهضة شاملة في مختلف مجالات الحياة، ومواكبتها لكل أشكال التطور العلمي والإنساني، زاد بريقها وأهميتها، وباتت وجبة مهمة ينتظرها البعض بشغف كبير لإحيائها في رمضان.
وبالرغم من أن الغبقات في البيوت والديوانيات والخيم وعند البحر ما زالت مرغوبة بشكل كبير، إلا أن الغبقات في الفنادق والمنتجعات السياحية والمطاعم، باتت ذات اهتمام كبير من قبل كثيرين، خاصة رجال الأعمال.
ففي غبقات الفنادق والأماكن السياحية، يحاول البعض إتمام صفقاتهم أو التعرف إلى شخصيات تصب العلاقات معها في صالح أعمالهم، والبعض يدعو الغرباء من بلدان أخرى لحضور الغبقة في الأماكن السياحية للتعريف بمعناها وأهميتها كموروث شعبي، الأمر الذي يسهم في التسويق السياحي والثقافي والتعريف بعادات الخليجيين وتراثهم، وهو أحد عوامل الجذب السياحي.
الأكلات هي الأخرى لها طابع خاص، فـ”الغبقة” ما عادت مقتصرة على الأطباق الخليجية الشعبية الشهيرة كالثريد والهريس، ومن الأطباق والبرنيوش أو (المحمّر)، وهو الرز المطبوخ بالسكر أو الدبس، أو “المجبوس” و”المشخول”، كما أن سكان السواحل ما عادوا يلتزمون بالغبقة المكونة من أكلة السمك، بل أضيفت أصناف مختلفة لـ”الغبقة” ودخلت الأكلات الغربية في لائحة وجباتها، فيما يعتبر شاطئ البحر وجهة الشباب المفضلة لدعوة أصدقائهم على الغبقة، التي يفضلون أن تكون المشويات الوجبة الرئيسية فيها.
وفي الغالب، تبقى الأطباق الرئيسية الشعبية أساس المائدة، وتضاف إليها أطباق من الأكلات الشرقية أو الغربية أو الآسيوية، وأنواع مختلفة من الحلويات، فيما كانت الحلويات في السابق تقتصر على الحلويات الخليجية الشعبية، مثل الساقو واللقيمات والنشاء والعصيدة والبلاليط بالإضافة إلى التمر والشاي والقهوة.
والغبقة التي تعرف عند أهل الخليج بأنها عشاء رمضاني متأخر يسبق السحور، وعادة هي اسم لوليمة تؤكل عند منتصف الليل، هي كلمة عربية صحيحة، جاءت من الغبوق، وهو حليب الناقة الذي يشرب ليلاً، وعكسه الصبوح الذي يشرب من حليب الناقة صباحاً.